إن الحسنات يذهبن السيئات
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا , فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ , قَالَ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا , فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ , فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلا دَعَاهُ ، وَتَلا عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ [ أَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ] فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً ؟ قَالَ ( بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً ) (1)
رحمة الله جائزة الطائعين , ومرجع التائبين , وملاذ المسرفين من القنوط من عفو رب العالمين ، إنها الغيث الذي تنبت به القلوب المؤمنة , والنور الذي يضيء الطرق الحالكة ، والغيض الذي بلغ المؤمن غاية رشده ، والفيض الذي تعجز الأقلام عن وصف حده ، فرحمة الله تعالى تفيض على عباده جميعا , وتسعهم جميعا وبها يقوم وجودهم وتقوم حياتهم , وهي تتجلى في كل لحظة من لحظات وجودهم وفي جميع حركاتهم وسكناتهم
قال تعالى ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ) الأعراف 156، وقال تعالى ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ) الحجر 49 وقال تعالى ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ) غافر 1-3 روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام فقيل له : تتابع في هذا الشراب , فقال عمر لكاتبه : اكتب من عمر إلى فلان , سلام عليك وأنا أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو , بسم الله الرحمن الرحيم ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ) ثم ختم الكتاب , وقال لرسوله لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا , ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة , فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول : قد وعدني الله أن يغفر لي وحذرني عقابه , فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزوع وحسنت توبته , فلما بلغ أمره , قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم قد زل زلة فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه
وقال جل ذكره ( وربك الغني ذو الرحمة ) الأنعام 133 ( وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ) الكهف 58 ( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ) الأنعام 54 , ( كتب على نفسه الرحمة ) الأنعام 12
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة , فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة , فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة , ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ) (2) وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ( لو تعلمون قدر رحمة الله لاتكلتم عليها ) (3)
وتمسك بظاهر قوله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات) المرجئة وقالوا: إن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة، وحمل جمهور العلماء هذا المطلق على المقيد في الحديث الصحيح ( الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ) (4) فقال طائفة: إن اجتنبت الكبائر كانت الحسنات كفارة لما عدا الكبائر من الذنوب، وإن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئا. وقال آخرون: إن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئا منها وتحط الصغائر. وقال ابن عبد البر: ذهب بعض أهل العصر إلى أن الحسنات تكفر الذنوب، واستدل بهذه الآية وغيرها من الآيات والأحاديث الظاهرة في ذلك. قال: ويرد الحث على التوبة في أي كبيرة، فلو كانت الحسنات تكفر جميع السيئات لما احتاج إلى التوبة. واستدل بهذا الحديث على عدم وجوب الحد في القبلة واللمس ونحوهما لقوله [ عالجي امرأة .. ] أي داعبت واستمتعت بها , مع قوله [ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا ..] كناية عن الجماع ، واستدلوا بهذا الحديث أيضا على سقوط التعزيز عمن أتى شيئا منها وجاء تائبا نادما أكثروا من الصلاة علية صلى الله عليه وسلم